فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23)}.
كَرَّرَ قصةَ نوح لِمَا فيها من عظيم الآيات من طولِ مقامه في قومه، وشدةِ مقاساة البلاء منهم، وتمام صبره على ما استقبله في طول عمره، ثم إهلاك الله جميع مَنْ أَصَرَّ على كفرانه، ثم إهلاك الله جميع مَنْ أَصَرّ على كفرانه، ثم لم يغادِرْ منهم أحدًا، ولم يبال- سبحانه- بأنْ أهلك جملتهم. ولقد ذكر في القصص أن امرأةً من قومه لما أخذهم الطوفان كان لها مولودٌ، فَحَمَلَتْه وقامت حالمةً له ترفعه عن الطوفان، فلمَّا بلغ الماءُ إلى يدها رفعته إلى ما فوق رأسها- قدْرَ ما أمكنها- إبقاءً على وَلَدِها، وإشفاقًا عليه من الهلاك، إلى أن غَلَبَها الماءُ وتَلِفَتْ وولدها. فأوحى الله إلى نوح- عليه السلام- لو أني كنتُ أَرْحَمُ واحدًا منهم لَرَحِمْتُ تلك المرأة وولدها.
وفي الخبر أن نوحًا كان اسمه يشكر، ولكثرة ما كان يبكي أوحى الله إليه: يا نوح... إلى كم تنوح؟ فسمَّاه نوحًا. ويقال إن ذنبَه أنه مرّ يومًا بكلبٍ فقال: ما أوحشه!
فأوحى الله إليه: اخلق أنت أَحْسَنَ من هذا! فكان يبكي معتذرًا عن قالته تلك. وكان قومُه يلاحظونه بعين الجنون، وما زاد لهم دعوةً إلا ازدادوا على إجابته نبوةً، وما زاد لهم صفوة إلا ازدادوا على طول المدة قسوةً على قسوة.
ولما عمل السفينة ظهر الطوفان، وأدخل في السفينة أَهْلَه، تعرْض له إبليسُ- كما جاء في القصة- وقال: احْمِلْني معك في السفينة، فأبى نوح وقال: يا شقيُّ.. تطمع في حملي إياك وأنت رأسُ الكفَرَةِ؟!
فقال إبليسُ: أَمَا عَلِمْتُ- يا نوحُ- أَنَّ الله أنْظَرني إلى يوم القيامة، وليس ينجو اليومَ أحدٌ إلاّ في هذه السفينة؟
فأوحى الله إلى نوح أَن احمله فكان إبليسُ مع نوح في السفينة، ولم يكن لابنه معه مكانٌ في السفينة. وفي هذا ظهور عين التوحيد وأن الحكم من الله غير معلول لأنه إن كان المعنى في أن ابنه لم يكن معه له مكان لكُفْرِه فبإبليس يُشكل... ولكنها أحكامٌ غيرُ معلولة، وجاز له- سبحانه- أن يفعل ما يريد: يَصِلُ مَنْ شاء وَيَرُدُّ مَنْ شاء. اهـ.

.تفسير الآيات (26- 27):

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
فكأنه قيل: فما قال؟ فقيل: {قال} عندما أيس من فلاحهم: {رب انصرني} أي أعني عليهم {بما كذبون} أي بسبب تكذيبهم لي، فإن تكذيب الرسول استخفاف بالمرسل {فأوحينا} أي فتسبب عن دعائه أنا أوحينا {إليه أن اصنع الفلك} أي السفينة.
ولما كان يخاف من أذاهم له في عمله بالإفساد وغيره قال: {بأعيننا} أي إنه لا يغيب عنا شيء من أمرك ولا من أمرهم وأنت تعرف قدرتنا عليهم فثق بحفظنا ولا تخف شيئًا من أمرهم.
ولما كان لا يعلم تلك الصنعة، قال: {ووحينا} ثم حقق له هلاكهم وقربه بقوله: {فإذا جاء أمرنا} أي بالهلاك عقب فراغك منه {وفار التنور} قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: وجه الأرض.
وفي القاموس: التنور: الكانون يخبز فيه، ووجه الأرض، وكل مفجر ماء، وجبل قرب المصيصة- انتهى.
والأليق بهذا الأمر صرفه إلى ما يخبز فيه ليكون آية في آية {فاسلك} أي فادخل {فيها} أي السفينة {من كل زوجين} من الحيوان {اثنين} ذكرًا وأنثى {وأهلك} من أولادك وغيرهم {إلا من سبق عليه} لا له {القول منهم} بالهلاك لقطع ما بينك وبينه من الوصلة بالكفر.
ولما كان التقدير: فلا تحمله معك ولا تعطف عليه لظلمه، عطف عليه قوله: {ولا تخاطبني} أي بالسؤال في النجاة {في الذين ظلموا} عامة؛ ثم علل ذلك بقوله: {إنهم مغرقون} أي قد ختم القضاء عليهم، ونحن نكرمك عن سؤال لا يقبل.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26)}.
أما قوله: {رَبِّ انصرني بِمَا كَذَّبُونِ} ففيه وجوه: أحدها: أن في نصره إهلاكهم فكأنه قال أهلكهم بسبب تكذيبهم إياي وثانيها: انصرني بدل ما كذبوني كما تقول هذا بذاك أي بدل ذلك ومكانه، والمعنى أبدلني من غم تكذيبهم سلوة النصر عليهم وثالثها: انصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب وهو ما كذبوه فيه حين قال لهم: {إِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59] ولما أجاب الله دعاءه قال: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا} أي بحفظنا وكلئنا كأن معه من الله حافظًا يكلؤه بعينه لئلا يتعرض له ولا يفسد عليه مفسد عمله، ومنه قولهم: عليه من الله عين كالئة، وهذه الآية دالة على فساد قول المشبهة في تمسكهم بقوله عليه السلام: «إن الله خلق آدم على صورته» لأن ثبوت الأعين يمنع من ذلك، واختلفوا في أنه عليه السلام كيف صنع الفلك فقيل إنه كان نجارًا وكان عالمًا بكيفية اتخاذها، وقيل إن جبريل عليه السلام علمه عمل السفينة ووصف له كيفية اتخاذها، وهذا هو الأقرب لقوله: {بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}.
أما قوله: {فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا} فاعلم أن لفظ الأمر كما هو حقيقة في طلب الفعل بالقول على سبيل الاستعلاء، فكذا هو حقيقة في الشأن العظيم، والدليل عليه أنك إذا قلت هذا أمر بقي الذهن يتردد بين المفهومين وذلك يدل على كونه حقيقة فيهما وتمام تقريره مذكور في كتاب المحصول في الأصول، ومن الناس من قال: إنما سماه أمرًا على سبيل التعظيم والتفخيم، مثل قوله: {فقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [فصلت: 11].
أما قوله: {وَفَارَ التنور} فاختلفوا في التنور، فالأكثرون على أنه هو التنور المعروف.
روي أنه قيل لنوح إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت ومن معك في السفينة، فلما نبع الماء من التنور أخبرته امرأته فركب، وقيل كان تنور آدم وكان من حجارة فصار إلى نوح، واختلف في مكانه، فعن الشعبي في مسجد الكوفة عن يمين الداخل مما يلي باب كندة، وكان نوح عليه السلام عمل السفينة في وسط المسجد، وقيل بالشام بموضع يقال له عين وردة وقيل بالهند القول الثاني: أن التنور وجه الأرض عن ابن عباس رضي الله عنهما الثالث: أنه أشرف موضع في الأرض أي أعلاه عن قتادة والرابع: {وَفَارَ التنور} أي طلع للفجر عن على عليه السلام، وقيل إن فوران التنور كان عند طلوع الفجر والخامس: هو مثل قولهم حمى الوطيس والسادس: أنه الموضع المنخفض من السفينة الذي يسيل الماء إليه عن الحسن رحمه الله والقول الأول هو الصواب لأن العدول عن الحقيقة إلى المجاز من غير دليل لا يجوز، واعلم أن الله تعالى جعل فوران التنور علامة لنوح عليه السلام حتى يركب عنده السفينة طلبًا لنجاته ونجاة من آمن به من قومه.
أما قوله: {فاسلك فِيهَا} أي أدخل فيها يقال سلك فيه أي دخل فيه وسلك غيره وأسلكه {مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثنين} أي من كل زوجين من الحيوان الذي يحضره في الوقت اثنين الذكر والأنثى لكي لا ينقطع نسل ذلك الحيوان، وكل واحد منهما زوج لا كما تقوله العامة من أن الزوج هو الاثنان، روي أنه لم يحمل إلا ما يلد ويبيض، وقرئ من كل بالتنوين، أي من كل أمة زوجين، واثنين تأكيد وزيادة بيان.
أما قوله: {وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول مِنْهُمْ} أي وأدخل أهلك ولفظ على إنما يستعمل في المضار.
قال تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت} [البقرة: 286] واعلم أن هذه الآية تدل على أمرين أحدهما: أنه سبحانه أمره بإدخال سائر من آمن به وإن لم يكن من أهله، وقيل المراد بأهله من آمن دون من يتصل به نسبًا أو سببًا وهذا ضعيف.
وإلا لما جاز استثناء قوله: {إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول} والثاني: أنه قال: {وَلاَ تخاطبني في الذين ظَلَمُواْ} يعني كنعان فإنه سبحانه لما أخبر بإهلاكهم وجب أن ينهاه عن أن يسأله في بعضهم لأنه إن أجابه إليه، فقد صير خبره الصدق كذبًا، وإن لم يجبه إليه كان ذلك تحقيرًا لشأن نوح عليه السلام فلذلك قال: {إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} أي الغرق نازل بهم لا محالة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {وَفَارَ التَّنُّورَ}.
فيه أربعة أقاويل:
أحدها: تنور الخابزة، قاله الكلبي.
الثاني: أنه آخر مكان في دارك، قاله أبو الحجاج.
الثالث: أنه طلوع الفجر، قاله على رضي الله عنه.
الرابع: أنه مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لاشتداد الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن حَمِيَ الوَطِيسُ» قاله ابن بحر. اهـ.

.قال القرطبي:

فقال حين تمادوْا على كفرهم: {رَبِّ انصرني بِمَا كَذَّبُونِ} أي انتقم ممن لم يطعني ولم يسمع رسالتي.
{فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ} أي أرسلنا إليه رسلًا من السماء {أَنِ اصنع الفلك} على ما تقدّم بيانه.
قوله تعالى: {فاسلك فِيهَا} أي أدخل فيها واجعل فيها؛ يقال: سلكته في كذا وأسلكته فيه إذا أدخلته.
قال عبد مناف بن رِبْع الهُذَلِيّ:
حتى إذا أسلكوهم في قُتائدةٍ ** شَلًا كما تَطْرد الجَمَّالةُ الشُّرُدا

{مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين} قرأ حفص {مِن كلٍّ} بالتنوين، الباقون بالإضافة؛ وقد ذكر.
وقال الحسن: لم يحمل نوح في السفينة إلا ما يلد ويبيض، فأما البق والذباب والدود فلم يحمل شيئًا منها، وإنما خرج من الطين.
وقد مضى القول في السفينة والكلام فيها مستوفًى، والحمد لله. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤالٍ نشأ من حكايةِ كلامِ الكَفَرةِ كأنَّه قيل فماذا قال عليه السَّلامُ بعدما سمع منهم هذه الأباطيلَ فقيل قال لمَّا رآهم قد أصرُّوا على الكفر والتَّكذيبِ وتمادَوا في الغواية والضَّلالِ حتَّى يئسَ من إيمانهم بالكلِّيةِ وقد أوحى اللَّهُ إليه أنه لنْ يؤمنَ من قومك إلاَّ مَن قد آمنَ {رَبّ انصرنى} بإهلاكهم بالمرَّةِ فإنَّه حكاية إجماليَّةٌ لقوله عليه السَّلامُ. {رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّارًا} إلخ {بِمَا كَذَّبُونِ} أي بسبب تكذيبهم إيَّاي أو بدل تكذيبهم {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} عند ذلك {أَنِ اصنع الفلك} أنْ مفسِّرة لما في الوحي من معنى القول {بِأَعْيُنِنَا} ملتبسًا بحفظِنا وكلاءتِنا كأنَّ معه عليه السَّلامُ منه عز وعلا حُفَّاظًا وحُرَّاسًا يكلؤونه بأعينهم من التَّعدِّي أو من الزَّيغِ في الصَّنعةِ. {وَوَحْيِنَا} وأمرِنا وتعليمنا لكيفيَّة صُنعها والفاء في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا} لترتيب مضمون ما بعدها على تمام صُنع الفُلك. والمرادُ بالأمر العذابُ كما في قوله تعالى: {لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله} لا الأمرُ بالرُّكوبِ كما قيل وبمجيئه كمالُ اقترابهِ أو ابتداءُ ظهورهِ. أي إذا جاء إثرَ تمامِ الفُلكِ عذابُنا وقوله تعالى: {وَفَارَ التنور} عطفُ بيانٍ لمجيء الأمر. رُوي أنَّه قيل له عليه السَّلامُ إذا فار الماءُ من التَّنُّورِ اركبْ أنت ومن معك وكان تنُّور آدمَ عليه السَّلامُ فصار إلى نوحٍ عليه السَّلامُ فلمَّا نبع منه الماء أخبرتْهُ امرأتهُ فركبُوا. واختُلف في مكانه فقيل كان في مسجدِ الكوفةِ أي في موضعه عن يمينِ الدَّاخلِ من باب كِندة اليوم وقيل كان في عين وَردة من الشَّامِ. وقد مرَّ تفصيلُه في تفسير سُورة هودٍ عليه السَّلامُ {فاسلك فِيهَا} أي أدْخِلْ فيها يقال سَلَك فيه أي دَخَلَ فيه وسَلَكه فيه أي أدْخَلَه فيه. ومنه قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ} {مِن كُلّ} أي من كلِّ أمِّةٍ {زَوْجَيْنِ} أي فردينِ مزدوجينِ كما يُعرب عنه قوله تعالى: {اثنين} فإنَّه نصٌّ في الفردين دون الجمعينِ أو الفريقينِ. وقرئ بالإضافةِ على أنَّ المفعولَ اثنينِ أي من كلِّ أمتي زوجينِ وهُما أمَّة الذَّكرِ وأُمَّة الأُنثى كالجمالِ والنُّوقِ والحصنِ والرماك. وهذا صريحٌ في أنَّ الأمر كان قبل صُنعه الفُلكَ. وفي سُورةِ هودٍ: {حتى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التنور قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ} فالوجهُ أنْ يحملَ إمَّا على أنَّه حكايةٌ لأمرٍ آخرَ تنجيزيَ ورد عند فَوَران التَّنُّورِ الذي نِيط به الأمرُ التَّعليقيُّ اعتناءً بشأن المأمور به أو على أنَّ ذلك هو الأمرُ السَّابقُ بعينه لكن لمَّا كان الأمرُ التَّعليقيُّ قبل تحقُّقِ المعلَّقِ به في حقِّ إيجابِ المأمورِ به بمنزلة العدم جُعل كأنَّه إنَّما حدث عند تحقُّقهِ فحُكي على صورةِ التَّنجيزِ وقد مرَّ في تفسيرِ قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآدَمَ} {وَأَهْلَكَ} منصوبٌ بفعل معطوف على فاسلُك لا بالعطف على زوجينِ أو اثنين على القراءتينِ لأدائه إلى اختلالِ المعنى أي واسلُك أهلَك، والمرادُ به امرأتُه وبنُوه. وتأخيرُ الأمر بإدخالهم عمَّا ذُكر من إدخال الأزواجِ فيها لكونِه عريقًا فيما أُمر به من الإدخال فإنَّه محتاجٌ إلى مزاولة الأعمال منه عليه السَّلامُ بل إلى معاونةٍ من أهلِه وأتباعِه. وأمَّا هم فإنَّما يدخلونَها باختيارِهم بعد ذلك ولأنَّ في المؤخَّرِ ضربُ تفصيلٍ بذكر الاستثناء وغيرِه فتقديمُه يؤدِّي إلى الإخلالِ بتجاوبِ أطرافِ النَّظمِ الكريمِ {إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول مِنْهُمْ} أي القولُ بإهلاكِ الكَفَرةِ وإنَّما جيء بعلى لكون السَّابقِ ضارًّا كما جيء باللامِ في قوله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} لكونِه نافعًا {وَلاَ تخاطبنى في الذين ظَلَمُواْ} بالدُّعاءِ لإنجائهم {إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} تعليلٌ للنَّهيِ أو لما ينبىءُ عنه من عدم قبول الدُّعاءِ أي إنَّهم مقضيٌّ عليهم بالإغراقِ لا محالةَ لظُلمهم بالإشراك وسائر المَعَاصي. ومَن هذا شأنُه لا يُشفعُ له ولا يُشفَّعُ فيه كيف لا وقد أُمر بالحمدِ على النَّجاةِ منهم بهلاكِهم بقوله تعالى: {فَإِذَا استويت أَنتَ وَمَن مَّعَكَ} أي من أهلِك وأشياعِك {عَلَى الفلك فَقُلِ الحمد للَّهِ الذى نَجَّانَا مِنَ القوم الظالمين} على طريقةِ قوله تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ القوم الذين ظَلَمُواْ والحمد للَّهِ رَبّ العالمين}. اهـ.